فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ}
الإشارة إلى وقت دخولهم النار أي هذا يوم لا ينطقون فيه بشيء لعظم الدهشة وفرط الحيرة ولا ينافي هذا ما ورد في موضع آخر من النطق لأن يوم القيامة طويل له مواطن ومواقيت ففي بعضها ينطقون وفي بعضها لا ينطقون وجوز أن يكون المراد هذا يوم لا ينطقون بشيء ينفعهم وجعل نطقهم لعدم النفع كلا نطق وقرأ الأعمش والأعرج وزيد بن علي وعيسى وأبو حيوة وعاصم في رواية {هذا يوم} بالفتح فقيل هو فتح إعراب على أن هذا إشارة إلى ما ذكر و{يوم} منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف وقع خبراً لهذا أي هذا الذي ذكر من الوعيد واقع في يوم لا ينطقون وقيل هو فتح بناء و{يوم} في محل رفع على الخبرية وبني لإضافته للجملة ولما حقه البناء وعن صاحب اللوامح قال عيسى: بناء {يوم} على الفتح مع لا لغة سفلى مضر لأنهم جعلوه معها كالاسم الواحد وأنت تعلم أن الجملة المصدرة بمضارع مثبت أو منفي لا يجيز البصريون في الظرف المضاف إليها البناء بوجه وأن ما ذكر مذهب كوفي.
{وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ} قيل في النطق مطلقاً أو في الاعتذار وقرأ زيد بن علي كما حكى عنه أبو علي الأهوازي بالبناء للفاعل أي ولا يأذن الله تعالى لهم {فَيَعْتَذِرُونَ} عطف على {يؤذن} منتظم معه في سلك النفي والفاء للتعقيب بين النفيين في الأخبار في قول ولترتب النفي الثاني نفسه على الأول في آخر ونظر فيه ولم يقل فيعتذروا بالنصب في جواب النفي قيل ليفيد الكلام نفي الاعتذار مطلقاً إذ لا عذر لهم ولا يعتذرون بخلاف ما لو نصب وجعل جواباً فإنه يدل على أن عدم اعتذارهم لعدم الإذن فيوهم ذلك أن لهم عذراً لكن لم يؤذن لهم فيه وقال ابن عطية إنما لم ينصب في جواب النفي للمحافظة على رؤوس الآي والوجهان جائزان وظاهره استواء المعنى عليهما وهو مخالف لكلامهم لقولهم بالسببية في النصب دون الرفع نعم ذهب أبو الحجاج الأعلم إلى أنه قد يرفع الفعل ويكون معناه على قلة معنى المنصوب بعد الفاء وأن النحويين إنما جعلوا معنى الرفع غير معنى النصب رعياً للأكثر في كلام العرب وجعل دليله على ذلك هذه الآية ورد عليه ذلك ابن عصفور وغيره فتدبر والظاهر أن نفي الاعتذار باعتبار بعض المواطن والمواقيت كنفي النطق وجوز أن يكون المنفي حقيقة الاعتذار النافع فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى: {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم}
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ هذا يَوْمُ الفصل} بين المحق والمبطل {جمعناكم والاولين} أي من تقدمكم من الأمم والكلام تقرير وبيان للفصل لأنه لا يفصل بين المحق والمبطل إلا إذا جمع بينهم.
{فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} فإن جميع من كنتم تقلدونهم وتقتدون بهم حاضرون وهذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا وإظهار لعجزهم.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} حيث ظهر أن لا حول لهم ولا حيلة في التخلص مما هم فيه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)}
إن كانت الإِشارة على ظاهرها كان المشار إليه هو اليوم الحاضر وهو يوم الفصل فتكون الجملة من تمام ما يقال لهم في ذلك اليوم بعد قوله: {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} [المرسلات: 29] فيكون في الانتقال من خطابهم بقوله: {انطلقوا} إلى إِجراء ضمائر الغيبة عليهم، التفات يزيده حسناً أنهم قد استحقوا الإِعراض عنهم بعد إهانتهم بخطاب {انطلقوا}.
وهذا الوجه أنسب بقوله تعالى بعده: {هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين} [المرسلات: 38]، وموقع الجملة على هذا التأويل موقع تكرير التوبيخ الذي أفاده قوله: {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} وهو من جملة ما يقال لهم في ذلك اليوم، واسم الإِشارة مستعمل في حقيقته للقريب.
وإن كانت الإِشارة إلى المذكور في اللفظ وهو يوم الفصل المتحدث عنه بأنَّ فيه الويل للمكذبين، كان هذا الكلام موجهاً إلى الذين خوطبوا بالقرآن كلهم إنذاراً للمشركين منهم وإنعاماً على المؤمنين، فكانت ضمائر الغيبة جارية على أصلها وكانت عائدة على المكذبين من قوله: {ويل يومئذٍ للمكذبين} [المرسلات: 34] وتكون الجملة معترضة بين جملة {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون}، وجملة {هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين} [المرسلات: 38].
واسم الإِشارة الذي هو إشارة إلى القريب مستعمل في مشار إليه بعيد باعتبار قرب الحديث عنه على ضرب من المجاز أو التسامح.
واسم الإِشارة مبتدأ {ويومُ لا ينطقون} خبر عنه.
وجملة {لا ينطقون} مضاف إليها {يوم}، أي هو يومٌ يُعرَّف بمدلول هذه الجملة، وعدم تنوين {يوم} لأجل إضافته إلى الجملة كما يضاف (حين) والأفصح في هذه الأزمان ونحوه إذا أضيف إلى جملة مفتتحة بـ {لا} النافية أن يكون معرباً، وهو لغة مُضر العُليا، وأما مضر السفلى فهم يبنونه على الفتح دائماً.
وعطف {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} على جملة {لا ينطقون}، أي لا يؤذن إذناً يتفرع عليه اعتذارهم، أي لا يؤذن لهم في الاعتذار.
فالاعتذار هو المقصود بالنفي، وجعل نفي الإِذن لهم توطئة لنفي اعتذارهم، ولذلك جاء {فيعتذرون} مرفوعا ولم يجئ منصوباً على جواب النفي إذ ليس المقصود نفي الإِذن وترتّب نفي اعتذارهم على نفي الإِذن لهم إذ لا محصول لذلك، فلذلك لم يكن نصب {فيعتذرون} مساوياً للرفع بل ولا جائزاً بخلاف نحو {لا يُقضى عليهم فيموتوا} [فاطر: 36] فإن نفي القضاء عليهم وهم في العذاب مقصود لذاته لأنه استمرار في عذابهم ثم أجيب بأنه لو قُضي عليهم لماتوا، أي فقَدوا الإِحساس، فمعنى الجوابية هنالك مما يقصد.
ولذا فلا حاجة هنا إلى ما ادعاه أبو البقاء أن {فيعتذرون} استئناف تقديره: فهم يعتذرون، ولا إلى ما قاله ابن عطية تبعاً للطبري: إنه ينصب لأجل تشابه رؤوس الآيات، وبعد فإن مناط النصب في جواب النفي قصدُ المتكلم جعْلَ الفعل جواباً للنفي لا مجرد وجود فعل مضارع بعد فعل منفي.
واعلم أنه لا تعارض بين هذه الآية وبين الآيات التي جاء فيها ما يقضي أنهم يعتذرون نحو قوله تعالى: {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل} [غافر: 11] لأن وقت انتفاء نطقهم يوم الفصل.
وأما نطقهم المحكي في قوله: {ربنا أمتنا اثنتين} فذلك صراخهم في جهنم بعد انقضاء يوم الفصل، وبنحو هذا أجاب ابن عباس نافع بنَ الأزرق حين قال نافع: إنِّي أجد في القرآن أشياء تختلف عليَّ قال الله: {ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101]، وقال: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} [الصافات: 27] فقال ابن عباس: لا يتساءلون في النفخة الأولى حين نُفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض فلا يتساءلون حينئذٍ، ثم في النفخة الثانية أقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
والذي يجمع الجواب عنْ تلك الآيات وعن أمثالها هو أنه يجب التنبه إلى مسألة الوحدات في تحقق التناقض.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37)}
تكرير لتهديد المشركين متصل بقوله: {هذا يوم لا ينطقون} [المرسلات: 35] الآية على أول الوجهين في موقع ذلك، أو هو وارد لمناسبة قوله: {هذا يوم لا ينطقون} على ثاني الوجهين المذكورين فيه فيكون تكريراً لنظيره الواقع بعد قوله: {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} [المرسلات: 29] إلى قوله: {صُفْر} [المرسلات: 33] اقتضى تكريره عَقِبه أنَّ جملة {هذا يوم لا ينطقون} إلخ تتضمن حالة من أحوالهم يوم الحشر لم يسبق ذكرها فكان تكرير {ويل يومئذٍ للمكذبين} بعدَها لوجود مقتضي تكرير الوعيد للسامعين.
{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38)}
تكرير لتوبيخهم بعد جملة {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} [المرسلات: 29] شُيع به القول الصادر بطردهم وتحقيرهم، فإن المطرود يشيّع بالتوبيخ، فهو مما يقال لهم يومئذٍ، ولم تعطف بالواو لأنها وقعت موقع التذييل للطرد، وذلك من مقتضيات الفصل سواء كان التكرير بإعادة اللفظ والمعنى، أم كان بإعادة المعنى والغرض.
والإشارة إلى المشهد الذي يشاهدونه من حضور الناس ومُعَدات العرض والحساب لفصل القضاء بالجزاء.
والإِخبار عن اسم الإِشارة بأنه {يوم الفصل} باعتبار أنهم يتصورون ما كانوا يسمعون في الدنيا من محاجّة عليهم لإِثبات يوم يكون فيه الفصل وكانوا ينكرون ذلك اليومَ وما يتعذرون بما يقع فيه، فصارت صورة ذلك اليوم حاضرة في تصورهم دون إيمانهم به، فكانوا الآن متهيئين لأن يوقنوا بأن هذا هو اليوم الذي كانوا يوعدون بحلوله، وقد عُرِف ذلك اليوم من قبل بأنه يوم الفصل [المرسلات: 13]، أي القضاء وقد رأوا أهبة القضاء.
وجملة {جمعناكم والأولين} بيان للفصل بأنه الفصل في الناس كلهم لجزاء المحسنين والمسيئين كلهم، فلا جرم جُمع في ذلك اليوم الأولون والآخرون قال تعالى: {قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم} [الواقعة: 49، 50].
والمخاطبون بضمير {جمعناكم}: المشركون الذين سبق الكلام لتهديدهم وهم المكذبون بالقرآن، لأن عطف {والأولين} على الضمير يمنع من أن يكون الضمير لجميع المكذبين مثل الضمائر التي قبله، لأن الأولين من جملة المكذبين فلا يقال لهم: {جمعناكم والأولين}، فتعين أن يختص بالمكذبين بالقرآن.
والمعنى: جمعناكم والسابقين قبلكم من المكذبين.
وقد أنذروا بما حلّ بالأولين أمثالهم من عذاب الدنيا في قوله: {ألم نهلك الأولين} [المرسلات: 16].
فأريد توقيفهم يومئذٍ على صدق ما كانوا يُنذرون به في الحياة الدنيا من مصيرهم إلى ما صار إليه أمثالهم، فلذلك لم يتعلق الغرض يومئذٍ بذكر الأمم التي جاءت من بعدهم.
وباعتبار هذا الضمير فرع عليه قوله: {فإن كان لكم كيْد فكيدون} فكان تخلّصاً إلى توبيخ الحاضرين على ما يكيدون به للرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين قال تعالى: {إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً فمَهِّل الكافرين أمهلهم رويداً} [الطارق: 15 17] وأن كيدهم زائل وأن سوء العقبى عليهم.
وفرع على ذلك {فإن كان لكم كيد فكيدون}، أي فإن كان لكم كيد اليوم كما كان لكم في الدنيا، أي كيد بديني ورسولي فافعلوه.
والأمر للتعجيز، والشرط للتوبيخ والتذكير بسوء صنيعهم في الدنيا، والتسجيل عليهم بالعجز عن الكيد يومئذٍ حيث مُكِّنوا من البحث عما عسى أن يكون لهم من الكيد فإذا لم يستطيعوه بعد ذلك فقد سُجل عليهم العجز.
وهذا من العذاب الذي يعذَّبونه إذ هو من نوع العذاب النفساني وهو أوقع على العاقل من العذاب الجسماني.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40)}
تكرير للوعيد والتهديد وهو متصل بما قبله كاتصال نظيره المذكور آنفاً. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ}
ثم وقف تعالى على أصل الخلقة الذي يقتضي النظر فيها تجويز البعث و(الماء المهين): معناه الضعيف وهو المني من الرجل والمرأة. (والقرار المكين): الرحم أو بطن المرأة، و(القدر المعلوم): وقت الولادة ومعلوم عند الله في شخص، فأما عند الآدميين فيختلف فليس بمعلوم قدر شخص بعينه، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونافع والكسائي {فقدّرنا} بشد الدال، وقرأ الباقون {فقدَرنا} بتخفيف الدال، وهما بمعنى من القدرة، والقدر من التقدير والتوقيف وقوله: {القادرون} يرجع قراءة الجماعة. أما أن ابن مسعود روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر القادرين بالمقدرين. وقدر ابن أبي عبلة {فقدّرنا} بشد الدال {فنعم المقتدرون} و(الكفات): الستر والوعاء الجامع للشيء بإجماع، تقول كفت الرجل شعره إذا جمعه بخرقة، فالأرض تكفت الأحياء على ظهرها، وتكفت الأموات في بطنها و{أحياء} على هذا التأويل مُعمول لقوله: {كفاتاً} لأنه مصدر. وقال بعض المتأولين {أحياء وأمواتاً} إنما هو بمعنى أن الأرض فيها أقطار أحياء وأقطار أموات يراد ما ينبت وما لا ينبت، فنصب {أحياء} على هذا إنما هو على الحال من {الأرض}، والتأويل الأولى أقوى.
وقال بنان خرجنا مع الشعبي إلى جنازة فنظر إلى الجبانة فقال: هذه كفات الموتى، ثم نظر إلى البيوت فقال: هذه كفات الأحساء، وكانت العرب تسمي بقيع الغرقد كفتة لأنها مقبرة تضم الموتى، وفي الحديث: «خمروا آنيتكم وأوكئوا أسقيتكم واكفتوا صبيانكم وأجيفوا أبوابكم وأطفئوا مصابيحكم». ودفن ابن مسعود قملة في المسجد ثم قرأ {ألم نجعل الأرض كفاتاً}.
قال القاضي أبو محمد: ولما كان القبر {كفاتاً} كالبيت قطع من سرق منه. و(الرواسي): الجبال: لأنه رست أي ثبتت، و(الشامخ): المرتفع، ومنه شمخ بأنفه أي ارتفع واستعلى شبه المعنى بالشخص، و(أسقى) معناه: جعله سقياً للغلات والمنافع، وسقى معناه للشفة خاصة، هذا قول جماعة من أهل اللغة وقال آخرون هما بمعنى واحد، و(الفرات): الصافي العذب، ولا يقال للملح فرات وهي لفظة تجمع ماء المطر ومياه الأنهار وخص النهر المشهور بهذا تشريفاً له وهو نهر الكوفة، وسيحان هو نهر بلخ، وجيحان هو دجلة، والنيل نهر مصر، وحكي عن عكرمة أن كل ماء في الأرض فهو من هذه، وفي هذا بعد والله أعلم.
{انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ به تُكَذِّبُونَ (29)}
الضمير في قوله: {انطلقوا}، هو {للمكذبين} [الإنسان: 19-24] الذين لهم الويل يقال لهم {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} من عذاب الآخرة، ولا خلاف في كسر اللام من قوله: {انطلقوا} في هذا الأمر الأول، وقرأ يعقوب في رواية رويس {انطلَقوا إلى ظل} بفتح اللام على معنى الخبر، وقرأ جمهور الناس {انطِلقوا} بسكر اللام على معنى تكرار، الأمر الأول وبيان المنطلق إليه، وقال عطاء الظل الذي له {ثلاث شعب} هو دخان جهنم، وروي أنه يعلو من ثلاثة مواضع يراه الكفار فيظنون أنه مغن فيهرعون إليه {ثلاث شعب} هو دخان جهنم، وروي أنه يعلو من ثلاثة مواضع يراه الكفار فيظنون أنه مغن فيهرعون إليه فيجدونه على أسوأ وصف. وقال ابن عباس: المخاطبة إنما تقال يومئذ لعبدة الصليب إذا اتبع كل واحد ما كان يعبد فيكون المؤمنون في ظل الله ولا ظل إلا ظله، ويقال لعبدة الصليب {انطلقوا إلى ظل} معبودكم وهو الصليب وله {ثلاث شعب}، والتشعب تفرق الجسم الواحد فرقاً ثم نفى عنه تعالى محاسن الظل، والضمير في {إنها} لجهنم وقرأ عيسى بن عمر {بشرار} بألف جمع شرارة وهي لغة تميم، و(القصر) في قول ابن عباس وجماعة من المفسرين اسم نوع القصور وهو إلا دوراً لكبار مشيدة، وقد شبهت العرب بها النوق ومن المعنى قول الأخطل: البسيط:
كأنها برج رومي يشيده ** لز بجص وآجر وجيار

وقال ابن عباس أيضاً: (القصر): خشب كان في الجاهلية يقطع من جزل الحطب من النخل وغيره على قدر الذراع وفوقه ودونه يستعد به للشتاء يسمى (القَصَر) واحده قصرة وهو المراد في الآية، وإنما سمي القَصَّار لأنه يخبط بالقصرة، وقال مجاهد: (القصر) حزم الحطب. وهذه قراءة الجمهور، وقرأ ابن عباس القَصَّار لأنه يخبط بالقصرة، وقال مجاهد: (القصر) حزم الحطب. وهذه قراءة الجمهور، وقرأ ابن عباس وابن جبير (القَصَر) جمع قصرة وهي أعناق النخل والإبل وكذلك أيضاً هي في الناس، وقال ابن عباس جذور النخل، وقرأ ابن جبير أيضاً والحسن: {كالقِصَر} بسكر القاف وفتح الصاد، وهي جمع قصرة كحلقة وحلق من الحديد، واختلف الناس في (الجمالات)، فقال جمهور من المفسرين: هو جمع جمال على تصحيح البناء كرجال ورجالات، وقال آخرون أراد ب (الصفر) السود، وأنشد على ذلك بيت الأعشى: الخفيف:
تلك خيلي منه، وتلك ركابي ** هن صفر أولادها كالزبيب

وقال جمهور الناس: بل (الصفر) الفاقعة لأنها أشبه بلون الشرر بالجمالات، وقرأ الحسن {صُفُر} بضم الصاد والفاء، وقال ابن عباس وابن جبير: (الجمالات) قلوس من السفن وهي حبالها العظام إذا جمعت مستديرة بعضها إلى بعض جاء منها أجرام عظام، وقال ابن عباس: (الجمالات) قطع النحاس الكبار وكان اشتقاق هذه من اسم الجملة، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {جِمالة} بكسر الجيم لحقت التاء جمالاً لتأنيث الجمع فهي كحجر وحجارة، وقرأ ابن عباس وأبو عبد الرحمن والأعمش: {جُمالة} بضم الجمي، وقرأ باقي السبعة والجمهور وعمر بن الخطاب {جمالات} على ما تفسر بكسر الجيم، وقرأ ابن عباس أيضاً وقتادة وابن جبير والحسن وأبو رجاء بخلاف عنهم {جُمالات} بضم الجيم، واختلف عن نافع وأبي جعفر وشيبة وكان ضم الجيم فيهما من الجملة لا من الجمل وكسرها من الجمل لا من الجملة.
ولما ذكر تعالى المكذبين قال مخاطباً لمحمد صلى الله عليه وسلم {هذا يوم لا ينطقون} أي يوم القيامة أسكتتهم الهيبة وذل الكفر، و{هذا} في موطن قاض بأنهم {لا ينطقون} فيه إذ قد نطق القرآن بنطقهم ربنا أخرجنا، ربنا أمتنا، فهي مواطن. و{يوم} مضاف إلى قوله: {لا ينطقون} وقرأ الأعرج والأعمش وأبو حيوة {هذا يومَ} بالنصب لما أضيف إلى غير متمكن بناه فهي فتحة بناء وهو في موضع رفع، ويحتمل أن يكون ظرفاً وتكون الإشارة ب {هذا} إلى رميها {بشرر كالقصر}، وقوله: {فيعتذرون} معطوف على {يؤذن} ولم ينصب في جواب النفي لتشابه رؤوس الآي، والوجهان جائزان، وقوله تعالى: {هذا يوم الفصل جمعناكم} مخاطبة للكفار يومئذ. و{الأولون} المشار إليهم قوم نوح وغيرهم. ممن جاء في صدر الدنيا وعلى وجه الدهر، ثم وقف تعالى عبيده الكفار المستوجبين عقابه بقوله: {فإن كان لكم كيد فكيدون} أي إن كان لكم حيلة أو مكيدة تنجيكم فافعلوها. اهـ.